Header Ads

ضع اعلان هنا

اخر الأخبار

إكرام الخدم والعمال والرفق بهم

 

اقتضت حكمة الله أن يتفاوت الناس فيما بينهم، فمنهم الغني والفقير، ومنهم الشريف والوضيع، ورئيس ومرؤوس، وعالم وجاهل؛ لكي يحتاج الناس بعضهم بعضًا، قال تعالى: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) قال العلماء المفسرون: أي: ليسخر بعضهم لبعض في الأعمال والحرف والصنائع؛ لأنه لو تساوى الناس في الغنى ولم يحتج بعضهم لبعض لتعطلت كثير من مصالحهم واحتياجاتهم. معاشر المسلمين: لقد ذاع وانتشر هذه الأيام هضم حقوق العمال والأجراء والخدم، إن العدل مع الأجير وإعطاءه حقه وحسن التعامل معه ليس خلقًا كريمًا فقط، بل هو عمل صالح يتقرب به الإنسان إلى ربه، وصور الظلم وسوء المعاملة للعمل كثيرة يصعب حصرها في جانب واحد، بل هي تتغير وتتبدل حسب ظروف العمل، ولكنني أذكر نفسي وكل من يستأجر عاملاً أو أجيرًا بأمور لا يجوز إغفالها أو إهمالها.

أولاً: إن هذا العامل أو الأجير إنسان يجب تكريمه بتكريم الله له، قال تعالى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) فالله تعالى هو الذي كرم هذا الآدمي وفضله، وديننا يأمرنا ويحثنا على الرفق بالحيوان، فكيف بالإنسان؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض". فهذه المرأة تصلى النار بسبب قطة. مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على دابة قد وسم وجهها فقال: "لعن الله من فعل هذا"، أي: الذي حرق وجه هذه الدابة ليجعلها كعلامة، ملعون أي: مبعد من رحمة الله، فكيف بإنسان يشهد أن لا إله إلا الله ويصلي ويصوم ويعمل جميع الأركان والواجبات؟! فهو أخوك بحكم الإسلام، وإن كنت أنت غنيًا وهو فقير، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وقال -صلى الله عليه وسلم : "المسلم أخو المسلم"، بل قد يكون هذا الأجير أفضل منك وأتقى منك عند الله :  (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).



ثانيًا: إن هذا العامل ما جاء إلى هذه البلاد وترك أهله ووطنه ليعيش غريبًا بعيدًا إلا ليعف نفسه وعائلته بالكسب الحلال من عمل يده، ولو شاء لسلك طريق الحرام وهو كثير ومتوفر وميسور لمن أراد أن يسلكه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح"، أي: إذا اجتهد في إتقان العمل، وفي صحيح البخاري عنه -صلى الله عليه وسلم-: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده". وإن مسلمًا ترك سبيل الحرام وهو قادر عليها ليعف نفسه وأسرته لهو حري وجدير بمن يعمل لديه أن يكرمه ويعزه ويجله ويكبره.

ثالثًا: إن هذه المهن التي يعمل فيها أكثر العمال اليوم هي مهن شريفة، بل هي مهن الأنبياء والمرسلين، قال ابن عباس : "كان نوح -عليه السلام- نجارًا، وكان إدريس -عليه السلام- خياطًا، وكان إبراهيم ولوط -عليهما السلام- مزارعين، وكان صالح -عليه السلام- تاجرًا، وكان داود -عليه السلام- حدادًا، وكان موسى وشعيب -عليهما السلام- ورسولنا محمد –صلى الله عليه وسلم- رعاة غنم ". إذًا كل هذه المهن التي يمارسها العمال والأجراء هي مهن شريفة، لا يستعاب منها، بل هي مهن الأنبياء. والعدالة واجبة حتى لو كان الأجير غير مسلم، فيجب أن توفي معه بالعقد الذي بينك وبينه، وتعطيه حقه كاملاً؛ لأن الله تعالى يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، وقال –صلى الله عليه وسلم : "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"، وقال –صلى الله عليه وسلم : "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة"، وذكر منهم "رجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره" والحديث عام.

رابعًا: يوجد كثير من المؤسسات والأفراد -هداهم الله- يتعاقدون مع أجراء وعمال من خارج البلاد بدوام معلوم وأجر معلوم ومميزات معلومة كالسكن والإعاشة وتكاليف السفر وغير ذلك، ولكن إذا قدم العامل وجد غير ذلك، وجد الدوام من الصباح إلى منتصف الليل، ولم يجد الأجرة كافية، ولا كاملة، ولم يهيأ له السكن ولا الإعاشة، فيجد نفسه في مشكلة كبيرة، عليه ديون التأشيرة، ولم يستلم راتبه المتواضع جدًّا، وإذا تظلم أو اشتكى تهدده الكفيل بالخروج النهائي أو السجن، فبربكم ماذا يفعل مثل هؤلاء العمال المسحوقين؟! أنا لا أبالغ ولا أهول القضية، بل هذه حقيقة أعيشها أنا وأنتم بشكل يومي، وفي مسجدنا هذا نسمع كثيرًا من هذه المشاكل. فاتقوا الله -عباد الله-، وأحسنوا إلى من تحت أيديكم من العمال والخدم، واعلموا أن الله يراكم ويسمع شكواكم، ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- خصمكم يوم القيامة، وأن الذي أعزكم وأذلهم قادر على أن يعزهم ويذلكم ويغير حالكم.


ليست هناك تعليقات