Header Ads

ضع اعلان هنا

اخر الأخبار

الوضوء من لحم الإبل

 



الوضوء من لحم الإبل

اختلف العلماء في الوضوء من لحم الجَزور :

فقيل:  لا ينقض الوضوء، وهو مذهب الجمهور.

وقيل يجب منه الوضوء، وهو القول القديم في مذهب الشافعي، والمشهور من مذهب أحمد، وهو مذهب أهل الحديث

دليل الجمهور على ترك الوضوء من لحوم الإبل:

الدليل الأول:

ما رواه الإمام أبو داود في سننه ( 192 ) عن جابر t قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله e ترك الوضوء مما غيرت النار). فهذا الحديث اختصر ه شعيبُ بن أبي حمزة، فأوقع الجمهور في وهم كبير، وهو أن الأمر بالوضوء مما مست النار منسوخ، ومنه لحم الإبل، وقد ذهب إلى القول بأن شعيبًا اختصر الحديث جماعةٌ من أهل العلم؛ منهم: أبو داود وأبو حاتم الرازي وابن حبان وابن تيمية وابن القيم وغيرهم.[1]

 ورد ابن حزم وابن التركماني القول باختصار الحديث، وقالا: إنما هما حديثان، وأيدهما أحمد شاكر - رحمه الله تعالى.

قال ابن حزم: القطع بأن ذلك الحديث مختصر من هذا قول بالظن، وهو أكذب الحديث، بل هما حديثان كما ورد.[2] وقال ابن التركماني: ودعوى الاختصار في غاية البعد.[3]

 وقال أحمد شاكر: ومن الواضح أن هذا تأويل بعيد جدًّا، يخرج به الحديث عن ظاهره، بل يحيل معناه عما يدل عليه لفظه وسياقه، ورمْي الرواة الثقات الحفاظ بالوهم بهذه الصفة، ونسبة التصرف الباطل في ألفاظ الحديث إليهم حتى يحيلوها عن معناها - قد يرفع من نفوس ضعفاء العلم الثقة بالروايات الصحيحة جملة... إلخ كلامه - رحمه الله.[4]

وكلام علماء العلل لا يمكن أن يعارض بقول الإمام ابن حزم وابن التركماني؛ وذلك أن ابن حزم - رحمه الله - لم يكن من أهل العلل أصلاً، وليست له عناية بهذا الفن، ومن قرأ المحلى قطع علم ذلك، وهذا لا يقدح في إمامته في الفقه، فالمقصود الكلام على العلل إنما هو إلى أهله العارفين به، وما ساقه الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - إنما هو من قبيل حسن الظن بالراوي، وهذا لا يمنع من الوقوع بالخطأ، والثقات قد يقع لهم بعض الأوهام، فهذا مالك وسفيان ووغيرهم قد يُحصي أئمة الحديث أوهامًا لهم وقعوا فيها، إما في المتن وإما في الإسناد، وليس ذلك بقادح في الثقة حتى يكثر ذلك منه، فإذا كثرت مخالفته قدح ذلك في ضبطه، بل وقع من علماء معاصرين هذا الخطأ فهم بشر ليسوا بمعصمومين من الخطأ، والله أعلم.  وعليه فالوضوء مما مست النار محفوظ غير منسوخ، وإن كان الأمر بالوضوء مما مست النار ليس للوجوب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء، ثم أكل لحمًا وصلى ولم يتوضأ، فدل على أن الأمر بالوضوء منه ليس للوجوب.

وأن لحوم الإبل ليست العلة في الأمر بالوضوء منه كونه مما مسته النار، وإلا لم يكن هناك فرق بين لحوم الغنم ولحوم الإبل؛ لأن الجميع قد مسته النار، ومع ذلك فرق بينهما في الحكم في الحديث، كما في حديث جابر والبراء بن عازب. 

الدليل الثاني:

ما رواه ابن أبي شيبة عن عكرمة، عن ابن عباس t ، قال: الوضوء مما خرج، وليس مما دخل[5] .إسناده صحيح، وهو موقوف

 

الدليل الثالث

ما رواه ابن الجعد، بإسناده ليحيى بن وثاب، قال : سألت ابن عمر t عن الوضوء مما غيرت النار، فقال: الوضوء مما خرج، وليس مما دخل؛ لأنه لا يدخل إلا طيبًا، ولا يخرجه إلا خبيثًا.[6]

الدليل الرابع:

ما أخرجة عبدالرزاق، عن عبدالله بن مسعود t  قال: إنما الوضوء مما خرج، والفطر مما دخل، وليس مما خرج.[7] إسناده ضعيف[8]

الدليل الخامس:

أخرج البيهقي من طريق إسرائيل، عن عبدالأعلى، عن أبي عبدالرحمن، عن علي t ( أنه طَعِمَ خبزًا ولحمًا، فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: إن الوضوء مما خرج، وليس مما دخل.[9] إسناده ضعيف[10]

 الدليل السادس:

أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عائذ بن حبيب، عن يحيى بن قيس، قال : رأيت ابن عمر t  أكل لحم جزور، وشرب لبن الإبل، وصلى ولم يتوضأ .[11] و إسناده فيه لين[12]

الدليل السابع:

و أخرج  ابن أبي شيبة عن أبي سبرة النخعي ، أن عمر بن الخطاب t أكل لحم جزور، ثم قام، فصلى ولم يتوضأ.[13] إسناده ضعيف.[14]

الدليل الثامن:

 وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالله بن الحسن، أن عليًّا t أكل لحم جزور، ثم صلى ولم يتوضأ.[15] إسناده ضعيف.[16]

 

الادلة على وجوب الوضوء من لحوم الإبل:

الدليل الأول:

 ما واخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة t أن رجلاً سأل رسول الله e :  أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ((إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ))، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم، فتوضأ من لحوم الإبل))، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: ((نعم))، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: ((لا)).[17]

 

الدليل الثاني:

أخرج الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب t  قال: سئل رسول الله e عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: ((توضؤوا منها))، قال: وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: ((لا تصلوا فيها؛ فإنها من الشياطين))، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: ((صلوا فيها؛ فإنها بركة)).[18]  

الدليل الثالث:

أخرج الإمام ابن ماجه عن عطاء بن السائب، قال: سمعت محارب بن دثار يقولسمعت عبدالله بن عمر t  يقول: سمعت رسول الله e يقول: ((توضؤوا من لحوم الإبل، ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم، وتوضؤوا من ألبان الإبل، ولا توضؤوا من ألبان الغنم، وصلوا في مراح الغنم، ولا تصلوا في معاطن الإبل)).[19] إسناده ضعيف، والصحيح وقفه[20]

الدليل الرابع:

ما رواه أبو يعلى في مسنده ، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة، حدثنا معتمر بن سليمان، عن ليث، عن مولى لموسى بن طلحة - أو عن ابن لموسى بن طلحة - عن أبيه، عن جده قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ من ألبان الإبل ولحومها ولا يصلي في أعطانها، ولا يتوضأ من لحوم الغنم وألبانها ويصلي في مرابضها.[21] إسناده ضعيف.[22]

الدليل الخامس:

ما رواه الإمام الطبراني في المعجم الكبير عن عثمان بن عبدالله بن موهب، عن جابر بن سمرة، عن أبيه سمرة السوائي t، قال: سألت رسول الله e ، فقلت: إنا أهل بادية وماشية، فهل نتوضأ من لحوم الإبل وألبانها؟ قال: ((نعم))، قال: فهل نتوضأ من لحوم الغنم وألبانها؟ قال: ((لا(( .[23] إسناده منكر .[24]

و إن كان يكفي في الباب حديث جابر بن سمرة وحديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما عن سياق باقي الأدلة .

وأجاب الجمهور عن هذه الأحاديث بأجوبة، منها:

أن المقصود بالوضوء ليس الوضوء الشرعي؛ وإنما المراد غسل الأيدي من لحوم الإبل.

 

ويجاب عن هذا:

أولاًبأن الكلام إذا صدر من الشارع، فالأصل حمله على الحقيقة الشرعية، فإنْ تعذر ذلك، حُمل على الحقيقة اللغوية، ولا يوجد هنا سبب يحملنا على صرف الكلام عن حقيقته الشرعية إلى حقيقته اللغوية.

ثانيًاأن السؤال عن الوضوء من لحومها قرن بالسؤال عن الصلاة في أعطانها، مما يدل على أن المراد بالوضوء الوضوء الشرعي المتعلق بالصلاة.

ثالثًالو كان المقصود بالوضوء هو غسل الأيدي، لكان غسل الأيدي من لحوم الغنم أولى من غسلها من لحوم الإبل؛ وذلك أن نسبة الدهون في لحوم الغنم أكثر منها في لحوم الإبل، وهذا أمر معروف عند كل من يتعاطى أكل لحوم الإبل.

رابعًاأن غسل الأيدي ليس واجبًا لا في لحوم الإبل ولا في لحوم الغنم، فلماذا يترك الشارع غسل الأيدي من لحوم الغنم إلى مشيئة الفاعل، ولا يترك هذا الأمر في لحوم الإبل؟ مع أن غسل الأيدي من لحوم الإبل والغنم الحكم فيها سواء، إلا إن كنتم تذهبون إلى وجوب غسل الأيدي من لحوم الإبل، ولا قائل به.

الجواب الثاني للجمهور:

قالوا: إن هذه الأحاديث منسوخة بحديث (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ( وقد أجبنا عن ذلك بأجوبة، منها:

أولاًأن الحديث اختصره شعيب بن حمزة فأخطأ فيه.

ثانيًاأنه لا يذهب إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، ولم يتعذر هنا؛ لأن الجمع فيه إعمال لكلا الدليلين، بينما النسخ فيه إبطال لأحدهما.

ثالثًاأن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل خاص، وترك الوضوء مما مست النار عام، والخاص مقدم على العام.

قال الإمام ابن القيم : " ومن العجب معارضة هذه الأحاديث بحديث جابر " كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار)، ولا تعارض بينهما أصلاً؛ فإن حديث جابر هذا إنما يدل على أن كونه ممسوسًا بالنار، ليس جهة من جهات نقض الوضوء، ومن نازعكم في هذا؟ نعم هذا يصلح أن يحتجوا به على من يوجب الوضوء مما مست النار، على صعوبة تقرير دلالته، وأما من يجعل كون اللحم لحم إبل هو الموجب للوضوء، سواء مسته النار أم لم تمسه، فيوجب الوضوء من نيئه ومطبوخه وقديده، فكيف يحتج عليه بهذا الحديث؟ وحتى لو كان لحم الإبل فردًا من أفراده، فإنما تكون دلالته بطريق العموم، فكيف يقدم على الخاص؟ هذا مع أن العموم لم يستفد ضمنًا من كلام صاحب الشرع، وإنما هو من قول الراوي . وأيضًا فأبين من هذا كله أنه لم يحك لفظًا لا خاصًّا ولا عامًّا، وإنما حكى أمرين: هما فعلان: أحدهما متقدم، وهو فعل الوضوء، والآخر متأخر، وهو تركه الوضوء من ممسوس النار، فهاتان واقعتان، توضأ في إحداهما، وترك الوضوء في الأخرى من شيء معين مسته النار، لم يحك لفظًا عامًّا ولا خاصًّا ينسخ به اللفظ الصريح الصحيح... إلخ كلامه - رحمه الله تعالى.[25]

 الراجح من الخلاف:

ومما سبق نجد أن القائل بوجوب الوضوء من لحوم الإبل هم أسعد بالدليل،  لاسيما وان ليس مع القائلين بعدم الوجوب إلا حديث جابر:  ( كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ( . ومع أن هذا الحديث معلول، فإن حديث جابر بن سمرة وحديث البراء بن عازب قد فرق بين نوعين من اللحوم، وكلاهما قد مسته النار . فإن كان الوضوء من لحوم الإبل متأخرًا لم يصح نسخه بنص متقدم عليه؛ لأن الناسخ يجب أن يكون متأخرًا. وإن فرض أن حديث الوضوء من لحوم الإبل كان متقدمًا، قبل أن ينسخ الوضوء مما مست النار، فكيف يترك الوضوء من لحوم الغنم لمشيئة آكلها؟ ولذا كان الواجب أن يكون الأمر بالوضوء منهما جميعًا؛ لكون اللحمين قد مستهما النار، فعليه فإن حديث ترك الوضوء من لحوم الغنم دليل على أنه متأخر عن الأحاديث التي تأمر بالوضوء مما مست النار،  فعلم أنه لما ترك الوضوء من لحوم الغنم مع كونه قد مسته النار دل على تأخر هذا الحديث عن أحاديث الوضوء مما مست النار، ويتضح أن العلة في الأمر بالوضوء من لحوم الإبل ليس كونها قد مستها النار، بل العلة كونها من الإبل، سواء كان قد مسته النار أو لم تمسه النار.

 

 






[1] ـ مجموع الفتاوى (21/ 263)، ابن أبي حاتم في العلل (1/ 64) ، ابن القيم أيضًا في تهذيب السنن (1/ 138).

[2] ـ محلى 1/ 243.

[3] ـ الجوهر النقي 1/ 156

[4] ـ سنن الترمذي تحقيق أحمد شاكر 1/ 122

[5] ـ المصنف (1/ 52) رقم 535 .

[6] ـ مسند ابن الجعد447

[7] ـ المصنف (658)،

[8] ـ لان إبراهيم النخعي لم يسمع من ابن مسعود، وباقي رجاله ثقات،

[9] ـ سنن البيهقي 1/ 157

[10] ـ في إسناده عبدالأعلى بن عامر الثعلبي، وهو ضعيف، انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 25)

[11] ـ المصنف (1/ 50) رقم: 515

[12] ـ في إسناده يحيى بن قيس الطائفي، ذكره البخاري وابن أبي حاتم، وسكتا عليه، فلم يذكرا فيه شيئًا. انظر التاريخ الكبير (8/ 298)، والجرح والتعديل (9/ 181)

[13] ـ المصنف (1/ 50) رقم 517.

[14] ـ في إسناده جابر الجعفي مشهور الضعف، كما في إسناده أبو سبرة النخعي، ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل 9/ 385 ، وقال يحيى بن معين: لا أعرفه. تهذيب الكمال 33/ 340

[15] ـ المصنف  1/ 51

[16] ـ في إسناده شريك، وهو سيئ الحفظ.

[17] ـ صحيح الامام مسلم 360 .

[18] ـ مسند الإمام أحمد 4/ 303

[19] ـ سنن ابن ماجه 497

[20] في إسناده عطاء بن السائب، وقد تغير بآخرة، والراوي عنه خالد بن يزيد، قال: ابن عبدالهادي في التنقيح (1/ 176): وهو غير مشهور. وقد اختلف فيه على عطاء بن السائب، فرواه بقية، عن خالد بن يزيد عن عطاء بن السائب مرفوعًا، كما في إسناد الباب. ورواه ابن إسحاق كما ذكر ذلك ابن أبي حاتم في العلل (48)، قال: حدثني عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر موقوفًا، قال ابن أبي حاتم في العلل (48): حديث ابن إسحاق أشبه موقوفًا. اهـ وقال ابن عبدالهادي في التنقيح (1/ 176): وقد روي هذا الحديث موقوفًا على ابن عمر، وهو أشبه.

[21] ـ مسند أبي يعلى 632

[22] ـ إسناده ضعيف؛ قال الهيثمي في المجمع (1/ 250): رواه أبو يعلى، وفيه من لم يسم.

[23] ـ المعجم الكبير (7/ 270) رقم 7106

[24] ـ الإسناد فيه سليمان بن داود الشاذكواني، وهو متروك، والمعروف أن الحديث من مسند جابر بن سمرة، وليس من مسند أبيه، وقد سبق تخريج حديث جابر بن سمرة، والله أعلم واحكم.

[25] ـ تهذيب السنن   1/ 137


محبكم

أبوالمثنى

ليست هناك تعليقات