الحقوق الواجبة تجاه كبار السن

يعيشُ المرءُ في الدُّنْيَا بَيْنَ مَرَاحِلَ
ومنَازِلَ، وأَطْوَارٍ وَأَدْوَارٍ، جَعَلَهَا اللهُ عزَّ وجلَّ دليلًا على
حِكْمَةِ الْخَالِقِ، وضَعْفِ المخْلُوقِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن
بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) فبيَّنَ سبحانَهُ أنَّ الإنْسَانَ يُولَدُ
ضَعِيفًا، وَهِيَ مَرْحَلَةُ الطُّفُولَةِ، ثُمَّ يَسْتَوِي شَيئًا فَشَيئًا حتَّى
يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَتَسْتَوِي قَامَتُهُ، وَتَكْمُل قُوَّتُهُ، ثُمَّ يَعُودُ
ضَعِيفًا، وهذَا الضَّعْفُ الأَخِيرُ ليسَ بعدهُ قُوَّةً، وهو ضعفُ الشَّيْبِ،
ولذا خَتَمَهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: (وَشَيْبَةً).
والشَّيْبُ في الإِسْلامِ لَهُ مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ، ومنزلةٌ
فريدةٌ، فهو سَمْتُ الوَقَارِ وشَامَةُ الْحِكْمَةِ، وَمُوجِبٌ للإِكْرَامِ، قَالَ
ﷺ: (إنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرامَ ذي الشَّيبةِ المسلِمِ) والشَّيْبُ في
الإِسْلامِ نُورٌ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: (مَنْ شَابَ شيبةً في
الإسلامِ كانت له نورًا يومَ القيامةِ)، وَكَبِيرُ السِّنِّ لَهُ عِنْدَ اللهِ
مَكْرَمَةٌ، وفي الإِسْلامِ شَرَفٌ وَمَنْزِلَةٌ، ولأَنَّ الشَّيْبَ قَرِينُ
الضَّعْفِ، كَانَتْ الرَّحْمَةُ بِكِبَارِ السِّنِّ حَقًّا أَصِيلًا، وَوَاجِبًا
أَكِيدًا، قَالَ ﷺ: (ليسَ منَّا من لَم يَرحَمْ صغيرَنا، ويعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا)،
وَإِذَا كَانَتْ رِعَايَةُ كِبَارِ السِّنِّ وَإِجْلالُهِمْ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ،
فَإِنًَّ الْعِنَايَةَ بِالْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ عَيْنِيٌّ، وَإِذَا كَانَ بِرُّ
الْوَالِدَيْنِ قُرْبَةً وَطَاعَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ حَالَ الْكِبَرِ أَشَدّ
وَطْئًا، وَأَعْظَم أَجْرًا، وَالْقِيَامُ بِحَقِّهِمْ حَالَ الْكِبَرِ أَوْجَبُ،
والتَّفْرِيطُ فِيهِ أقْبَحُ وَأَشْنَعُ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقَضَى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا
أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي
صَغِيرًا)، وَرِعَايَةُ الْوَالِدَيْنِ عِنْدَ الْكِبَرِ غَنِيمَةُ الأَبْنَاءِ،
وَفُرْصَةُ النُّجَبَاءِ، لا يُوَفَّقُ لَهَا إلا مُوَفَّق مَيْمُونٌ، ولا
يَغْفَلُ عَنْهَا إلا غَافِلٌ مَغْبُونٌ، قالَ ﷺ: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ
أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ
والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ
الجَنَّةَ) والنَّاظِرُ في هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ يَجِدهُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَقِّ
الْكَبِيرِ، ففي السُّنَنِ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَاءَ بِأَبِيهِ
أَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ
ﷺ: (لو أقْرَرْتَ الشَّيْخَ في بَيْتِه لأتَيْنَاهُ).
ليست هناك تعليقات