
الإنسان قصير النظر، ضعيف الفكر، لا يعلم الغيب، ويجهل المستقبل، ولا يدري ما تجري به المقادير، ومع هذا يحاول أن يستكشف ما وراء الحجب، ويتخذ من الأسباب والوسائل ما عساه أن يدرك شيئًا من مراده، وأنى له ذلك؟! وهو المخلوق الضعيف؛ (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)، فترى هذا الإنسانَ الضعيفَ في محاولاته يلجأ للنجوم، ويستفتي الأبراجَ، وينظر في حركة الكواكب؛ فهو معلَّق بين السماء والأرض، يبحث عن بشير، ويَحذَر من نذير، وينظر في الفأل، ويخشى الشؤم، يطلب من آلهته ومعبوداته الإشارات والدلالات على الأمور المغيَّبات، وأسرار الأقدار، لعله يهتدي للصواب، في أسفاره وفي تجاراته وفي أنكحته، وفي حروبه وفي كل اختياراته، يستقسم بالأزلام؛ أي: يطلب ما قُسِمَ له في علم الغيب بالاقتراع عند الأصنام، ويُلقِي الأوراق والأعواد في المعابد، ويستعين بالكهان والعرافين والمنجمين، والدجالين، ويزجر الطير، ويخط بالكف، ويضرب بالحصى، ويرصد حركة النجوم ومسارات الكواكب، كل ذلك من أجل أن يستنطق المجهول، ويطلع على الغيب، ويعرف سر القدر، ويميز الخير من الشر، يفتش عن أسرار القدر، في حركة الطير، يمينًا وشمالًا، وصورة الحيوان فألا وشؤما؛ ليقول له: افعل أو لا تفعل، وأقدم أو لا تقدم؛ (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)، يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: "كان الرجل في الجاهليَّة إذا أتى إلى الحاجة أتى الطير في وِكْرِهِ فَنَفَّرَهُ، فإن أخَذ ذاتَ اليمينِ مضى إلى حاجته، وإِنْ أخَذ ذاتَ الشمال رجَع، فنهى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن ذلك كله وقال: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا"، وجاء الإسلام بكماله وجماله، وهديه وجلاله لينقذ الإنسان من هذه التخبطات والشركيَّات والجاهليات والتخرصات، فشرع له صلاة الاستخارة، حتى إن نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمه الصحابة -رضوان الله عليهم-، كما يعلمهم السورة من القرآن؛ ممَّا يدلُّ على أهميتها وحاجة المسلم إليها، وهذه الصلاة العظيمة هي توحيد وإخلاص ولجوء إلى الله -عز وجل-، وطلب الخيرة منه -سبحانه-، وهو رب الأرباب، ومسبب الأسباب، ومقدر الأقدار، فيسأل المسلم ربه أن يهديه وييسر له ما هم به من الخير، وأن يصرف عنه ما يخشاه من الشر، وييسر له الخير حيث كان، والمسلم حين يستخير ربه فإنَّه يسلم الأمر إليه، ويلجأ إليه، ويبرأ من حوله وقوته، إلى حول الله وقوته، ويجمع خيري الدنيا والآخرة.
ليست هناك تعليقات