إِلْفُ النِّعَم

عطاءُ اللهِ نهرٌ غَمَرَ العبادَ بسوابغِ النِّعمِ الظواهرِ والبواطنِ، ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾؛ تحبُّبَاً، وابتلاءً لشكرِهم وصبرِهم. هذا، وإنَّ أُلفةَ النِّعمِ مِن أشدِّ المخاطرِ التي كثيراً ما تُكدِّرُ صفاءَها، وتَحرِمُ بركتَها، وتُهدِّدُ بقاءَها، وذلك حين يَعتادُها المرءُ، ويَكثرُ إمساسُه لها، حتى غدا لا يَشعرُ بها إلا إنْ فَقَدَها! إنِّ أُلفةَ النِّعمِ مَزْلَقٌ جِدُّ خطيرٍ؛ كثيراً ما يُفضي إلى قبائحَ تَهوي بالشقيِّ في قَعْرٍ سحيقٍ من دركاتِ غضبِ اللهِ وعقابِه. ومن شؤمِ القبائحِ التي تُفْرِزُها تلكمُ الألفةُ نسيانُ النِّعمِ والغفلةُ عنها، وعدمُ خَطَرِ ذِكرِها على القلبِ، وانحباسُ اللسانِ عن التحدثِ بها؛ فضلاً عن شكرِها. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ يَشْكُو ضِيقَ حَالِهِ، فَقَالَ لَهُ يُونُسُ: أَيَسُرُّكَ بِبَصَرِكَ هَذَا الَّذِي تُبْصِرُ بِهِ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: الرَّجُلُ لَا، قَالَ: فَبِيَدَيْكَ مِائَةُ أَلْفٍ؟ قَالَ الرَّجُلُ: لَا، قَالَ: فَبِرِجْلَيْكَ؟ قَالَ الرَّجُلَ: لَا، فَذَكَّرَهُ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ يُونُسُ: أَرَى عِنْدَكَ مِئِينَ أُلُوفٍ وَأَنْتَ تَشْكُو الْحَاجَةَ! وما تزال تلك الغفلةُ تَستحْكِمُ على القلبِ حتى تُشْعِرَه بشعورِ الاستحقاقِ والجَدارةِ والاعتدادِ بالنفسِ إذ كانت أهلاً لتنزُّلِ النِّعمِ وحيازتِها وبقائها، كما فاهَ به مَنطِقُ قارونَ الكفورُ إذ ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾
ليست هناك تعليقات